التسعينات: رحلة الموسيقى
ملخص المكتوب: من الرسائل بيني وبين سهى عن التسعينات

هاني
هي مرحلة الاكتشافات المتتالية. لم أعد أذكر كيف اكتشفت الشيخ إمام، ودخل إلى حياتي ليرسم بعض من ملامح شخصيّتي. ترافق تعرّفي على إمام مع بدء انخراطي بالمظاهرات النقابيّة التي كان يُشارك بها الطلاب من مدرستي. كنّا بضعة طلاب، “نهرب” من المدرسة بالتخفّي حيناً، وتحت أعين المدير أحياناً، الذي كان ينزعج كثيراً من مشاركتنا في المظاهرات.
أكثر ما كان قادراً عليه هو أن يطردنا من المدرسة، ويستدعي أهالينا ليشتكي لهم عن سلوكنا غير المنضبط. أذكر أنّه في إحدى المرّات، استدعى والدي وأخبره عن مشاركتي في المظاهرات. ردّ عليه والدي بأنّ الدستور يكفل الحق لكل مواطن بالتظاهر والتعبير عن الرأي. بعد ذلك الحين، استسلم المدير، وتوقّف عن استدعاء والدي، وأصبح يطردني من المدرسة لمدّة ثلاث أيام كلما ذهبت إلى مظاهرة نقابيّة.
بعدما تعرّفت أكثر على أغاني الشيخ إمام أردت شراء كامل أعماله الموسيقيّة. ذهبت إلى إحدى عربات الكاسيتات التي كانت منتشرة حينها تحت جسر الكولا، وكان يمتلكها عمّال سوريون أغلبهم قادمون من قرى نائية. “عندك الشيخ إمام؟”، سألت البائع. أجاب “الشيخ إمام ما عندي. بس عندي الشيخ عبد الباسط عبد الصمد”. ولمن لا يعرف الشيخ عبد الباسط فهو من أبرز مجوّدي القرآن في العصر الحديث. هكذا، لم استطع أن امتلك المجموعة الكاملة للشيخ إمام إلاّ بعد ظهور “السي دي” (الأقراص المدمجمة) حيث حصلت عليها من صديقي في صف البكالوريا.
وفي الآن عينه، تعرّفت على الموسيقى الغربيّة السائدة حينها. في تلك الأيّام، كانت محلات تسجيل الكاسيتات موجودة بكثرة في بيروت. وكان الكثيرون يقومون بوضع لائحة بأغانيهم المفضّلة ويسجلوها على كاسيت منفرد. بهذه الطريقة يوفّرون الوقت والمساحة. حينها،قمت بتسجيل الأغاني المفضّلة لديّ على كاسيت خاص. أذكر من بين هذه الأغاني “Coco Jambo” و”it’s my life” اللتين كانتا منتشرتين بشكل واسع بين أبناء جيلي.
كنت أحتفظ بهذا الكاسيت معي أينما ذهبت، إن كان في “مشاوير” الجبل، أو عند الذهاب إلى حفلات عيد الميلاد التي كان يعدّها رفيقي في الدراسة. فهو أصبح خلفيّتي السمعيّة في كل مكان.
اليوم، يبدو أنّ كل ذلك حدث في زمنٍ بعيد.
مضى 15 عاماً على تلك الاكتشافات. تغيّرت كثيراً. كرهت الموسيقى السائدة بشكل عميق. نفرت من النظام المدرسي. وأحببت الشيخ إمام أكثر.
“البحر بيضحك ليه؟” يا سهى!